فصل: سورة الماعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.سورة قريش:

.تفسير الآيات (1- 4):

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
وفي قوله تعالى: {لإيلافِ قُريْشٍ} الإيلاف مأخوذ من أَلِف يأْلَف، وهي العادة المألوفة، ومنه قولهم ائتلف القوم.
وفي قوله {لإيلاف قريش} أربعة أقاويل:
أحدها: نعمتي على قريش، لأن نعمة الله عليهم أن ألفه لهم، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: لإيلاف الله لهم لأنه آلفهم إيلافاً، قاله الخليل بن أحمد.
الثالث: لإيلاف قريش حَرَمي وقيامهم ببيتي، وهذا معنى قول الحسن.
الرابع: لإيلاف ما ذكره من رحلة الشتاء والصيف في معايشهم، قاله مكحول.
وفي اللام التي في {لإيلاف قريش} قولان:
أحدهما: أنه صلة يرجع إلى السورة المتقدمة من قولهم {ألم تر كيف} إلى أن قال: {فجعلهم كعصْف مأكولٍ} لإيلاف قريش، فصار معناه أن ما فعله بأصحاب الفيل لأجل إيلاف قريش، قاله ثعلب، وكان عمر وأبيّ بن كعب لا يفصلان بين السورتين ويقرآنهما كالسورة الواحدة، ويريان أنهما سورة واحدة، أي: ألم تر لإيلاف قريش.
الثاني: أن اللام صلة ترجع إلى ما بعدها من قوله {فَلْيَعْبُدوا رب هذا البَيْتِ} ويكون معناه لنعمتي على قريش فَلْيَعْبُدوا رَبَّ هذا البيت، قاله أهل البصرة، وقرأ عكرمة، ليألف قريش، وكان يعيب على من يقرأ {لإيلاف قريش}.
وقرأ بعض أهل مكة: إلاف قريش، واستشهد بقول أبي طالب يوصي أخاه أبا لهب برسول الله صلى الله عليه وسلم:
فلا تَتْركْنهُ ما حَييتَ لمعظمٍ ** وكن رجلاً ذا نَجدةٍ وعفافِ

تَذودُ العِدا عن عُصْبةٍ هاشميةٍ ** ألا فُهُمُ في الناس خيرُ إلافِ

وأما قريش تلده فهم بنو النضير بن كنانة، وقيل بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ومن لم تلده فهر فليس من قريش، وعلى المشهور أن بني النضر بن كنانة ومن تلده: من قريش، وإن لم يكونوا من بني فهر، وقد كانوا متفرقين في غير الحرم فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوه مسكناً، قال الشاعر:
أبونا قصيٌّ كان يُدْعى مجمّعاً ** به جمع اللَه القبائلَ مِن فهر

واختلفوا في تسميتهم قريشاً على أربعة أقاويل:
أحدها: لتجمعهم بعد التفرق، والتقريش التجميع، ومنه قول الشاعر:
إخوةٌ قرَّشوا الذنوب علينا ** في حَديثٍ مِن دَهْرِهم وقَديمِ

الثاني: لأنهم كانوا تجاراً يأكلون من مكاسبهم، والتقريش التكسب.
الثالث: أنهم كانوا يفتشون الحاج عن ذي الخلة فيسدون خلته، والقرش: التفتيش، قال الشاعر:
أيها الشامتُ المقِّرشُ عَنّا ** عند عَمرو فهل له إبْقاءُ

الرابع: أن قريشاً اسم دابة في البحر، من أقوى دوابه، سميت قريشاً لقوتها وأنها تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى، قاله ابن عباس واستشهد بقول الشاعر:
هكذا في العباد حيُّ قريش ** يأكلون البلادَ أكْلاً كشيشاً

ولهم آخرَ الزمان نبيٌّ ** يَكثر القتل فيهمُ والخموشا

يملأُ الأرضَ خَيلةً ورجالاً ** يحشُرون المطيَّ حشْراً كميشاً

تأكل الغثَّ والسَمينَ ولا تت ** رُكُ يوماً في جناحين ريشاً.

وقريش هي التي تسكن البح ** ر بها سميت قريش قريشاً.

سلّطت بالعلو في لجج البحر ** على سائر البحور جيوشاً.

{إيلافِهم رِحْلَةَ الشتاءِ والصَّيْفِ} كانت لقريش في كل عام رحلتان والرحلة السفرة، لما يعانى فيها من الرحيل والنزول، رحلة في الصيف ورحلة في الشتاء طلباً للتجارة والكسب.
واختلف في رحلتي الشتاء والصيف على قولين:
أحدهما: أن كلتا الرحلتين إلى فلسطين، لكن رحلة الشتاء في البحر، طلباً للدفء، ورحلة الصيف على بصرى وأذرعات، طلباً للهواء، قاله عكرمة.
الثاني: أن رحلة الشتاء إلى اليمن لأنها بلاد حامية، ورحلة الصيف إلى الشام لأنها بلاد باردة، قاله ابن زيد.
فإن قيل فما المعنى في تذكيرهم رحلة الشتاء والصيف؟ ففيه جوابان:
أحدهما: أنهم كانوا في سفرهم آمنين من العرب لأنهم أهل الحرم، فذكرهم ذلك ليعلموا نعمته عليهم في أمنهم مع خوف غيرهم.
الثاني: لأنهم كانوا يكسبون فيتوسعون ويطعمون ويصلون، كما قال الشاعر فيهم:
يا أيها الرجلُ المحوِّل رَحْلَه ** هَلاَّ نَزَلْتَ بآلِ عبدِ مَنافِ.

الآخذون العهدَ من آفاقِها ** والراحلون لرحلة الإيلافِ.

والرائشون وليس يُوجد رائشٌ ** والقائلون هَلُمَّ للأَضْيافِ.

والخالطون غنيَّهم بفقيرهم ** حتى يصير فقيرُهم كالكافي.

عمرو العلا هشم الثريد لقومه ** ورجال مكة مسنتون عجافِ.

فذكرهم الله تعالى هذه النعمة.
ولابن عباس في رحلة الشتاء والصيف قول ثالث: أنهم كانوا يشتون بمكة لدفئها، ويصيفون بالطائف لهوائها، كما قال الشاعر:
تَشْتي بِمكة نعمةً ** ومَصيفُها بالطائِف

وهذه من جلائل النعم أن يكون للقوم ناحية حر تدفع عنهم برد الشتاء وناحية برد تدفع عنهم حر الصيف، فذكرهم الله تعالى هذه النعمة.
{فَلْيَعْبدوا ربَّ هذا البَيْتِ} أمرهم الله تعالى بعبادته، وفي تعريف نفسه لهم بأنه رب هذا البيت وجهان:
أحدهما: لأنه كانت لهم أوثان، فميز نفسه عنها.
الثاني: أنهم بالبيت شرفوا على سائر العرب، فذكر لهم ذلك تذكيراً بنعمته.
وفي معنى هذا الأمر والضمير في دخول الفاء على قوله {فليعبدوا} أربعة أوجه:
أحدها: فليعبدوا رب هذا البيت بأنه أنعم عليهم برحلة الشتاء والصيف.
الثاني: فليألفوا عبادة رب هذا البيت كما ألفوا رحلة الشتاء والصيف.
الثالث: فليعبدوا رب هذا البيت لأنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
الرابع: فليتركوا رحلة الشتاء والصيف بعبادة رب هذا البيت، فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف ليتوفروا بالمقام على نصرة رسوله والذب عن دينه.
{الذي أطْعَمَهم من جُوعٍ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أطعمهم من جوع بما أعطاهم من الأموال وساق إليهم من الأرزاق، قاله ابن عيسى.
الثاني: أطعمهم من جوع بما استجاب فيهم دعوة إبراهيم عليه السلام. حين قال: {وارْزُقهم من الثمرات} قاله ابن عباس.
الثالث: أن جوعاً أصابهم في الجاهلية، فألقى الله في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم طعاماً، فحملوه، فخافت قريش منهم وظنوا أنهم قدموا لحربهم، فخرجوا إليهم متحرزين، فإذا هم قد جلبوا إليهم الطعام وأعانوهم بالأقوات، فهو معنى قوله {الذي أطعمهم من جوع}.
{وآمَنَهُم مِنْ خوْفٍ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: آمنهم من خوف العرب أن يسبوهم أو يقاتلوهم تعظيماً لحرمة الحرم، لما سبقت لهم من دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال: {ربِّ اجْعَلْ هذا بلداً آمِناً}، قاله ابن عباس.
الثاني: من خوف الحبشة مع الفيل، قاله الأعمش.
الثالث: آمنهم من خوف الجذام، قاله الضحاك والسدي وسفيان الثوري.
الرابع: يعني آمن قريشاً ألا تكون الخلافة إلا فيهم، قاله علّي رضي الله عنه.

.سورة الماعون:

.تفسير الآيات (1- 7):

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}
قوله تعالى: {أرأيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدِّينِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني بالحساب، قاله عكرمة ومجاهد.
الثاني: بحكم الله تعالى، قاله ابن عباس.
الثالث: بالجزاء الثواب والعقاب.
واختلف فيمن نزل هذا فيه على خمسة أوجه:
أحدها: أنها نزلت في العاص بن وائل السهمي، قاله الكلبي ومقاتل.
الثاني: في الوليد بن المغيرة، قاله السدي.
الثالث: في أبي جهل.
الرابع: في عمرو بن عائذ، قاله الضحاك.
الخامس: في أبي سفيان وقد نحر جزوراً، فأتاه يتيم، فسأله منها، فقرعه بعصا، قاله ابن جريج.
{فذلك الذي يَدُعُّ اليتيمَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بمعنى يحقر البيت، قاله مجاهد.
الثاني: يظلم اليتيم، قاله السدي.
الثالث: يدفع اليتيم دفعاً شديداً، ومنه قوله تعالى: {يوم يُدَعُّونَ إلى نارِ جهنَّمَ دعّاً} أي يُدفعون إليها دفعاً.
وفي دفعه اليتيم وجهان:
أحدهما: يدفعه عن حقه ويمنعه من ماله ظلماً له وطمعاً فيه، قاله الضحاك.
الثاني: يدفعه إبعاداً له وزجراً، وقد قرئ {يَدَعُ اليَتيم} مخففة، وتأويله على هذه القراءة يترك اليتيم فلا يراعيه اطراحاً له وإعراضاً عنه.
ويحتمل على هذه القراءة تأويلاً ثالثاً: يدع اليتيم لاستخدامه وامتهانه قهراً واستطالة.
{ولا يَحُضُّ على طعامِ المِسْكِينِ} أي لا يفعله ولا يأمر به، وليس الذم عاماً حتى يتناول من تركه عجزاً، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنفسهم يقولون {أنطعم من لو يشاءُ الله أطْعَمَهُ} فنزلت هذه الآية فيهم، ويكون معنى الكلام لا يفعلونه إن قدروا، ولا يحثون عليه إن عجزوا.
{فَويْلٌ للمُصَلَّينَ} الآية، وفي إطلاق هذا الذم إضمار، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه المنافق، إن صلاها لوقتها لم يرج ثوابها، وإن صلاها لغير وقتها لم يخش عقابها، قاله الحسن.
الثاني: أن إضماره ظاهر متصل به، وهو قوله تعالى: {الذين هم} الآية. وإتمام الآية في قوله: {فويل للمصلين} ما بعدها من قوله: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} إضماراً فيها وإن كان نطقاً ظاهراً.
وليس السهو الذي يطرأ عليه في صلاته ولا يقدر على دفعه عن نفسه هو الذي ذم به، لأنه عفو.
وفي تأويل ما استحق به هذا الذم ستة أوجه:
أحدها: أن معنى ساهون أي لاهون، قاله مجاهد.
الثاني: غافلون، قاله قتادة.
الثالث: أن لا يصلّيها سراً ويصليها علانية رياء للمؤمنين، قاله الحسن.
الرابع: هو الذي يلتفت يمنة ويسرة وهواناً بصلاته، قاله أبو العالية.
الخامس: هو ألا يقرأ ولا يذكر الله، قاله قطرب.
السادس: هو ما روى مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {الذين هم عن صلاتهم ساهون} فقال: «هم الذين يؤخرون الصلاة عن مواقيتها».
{الذين هم يُراءونَ} فيه وجهان:
أحدهما: المنافقون الذين يراءون بصلاتهم، يصلّونها مع الناس إذا حضروا، ولا يُصلّونها إذا غابوا، قاله علي وابن عباس.
الثاني: أنه عامّ في ذم كل من راءى لعمله ولم يقصد به إخلاصاً لوجه ربه. روي عن النبي صلى الله عيله وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى: مَن عَمِل عملا لغيري فقد أشرك بي وأنا أغنى الشركاء عن الشرك».
{ويَمْنَعُونَ الماعونَ} فيه ثمانية تأويلات:
أحدها: أن الماعون الزكاة، قاله علي وابن عمر والحسن وعكرمة وقتادة، قال الراعي:
أخليفة الرحمن إنا مَعْشَرٌ ** حُنَفاءُ نسجُد بكرةً وأصيلاً.

عَرَبٌ نرى لله في أمْوالِنا ** حقَّ الزكاة مُنزّلا تنزيلاً

قَوْمٌ على الإسلام لمّا يَمْنعوا ** ماعونَهم ويضَيِّعوا التهْليلا

الثاني: أنه المعروف، قاله محمد بن كعب.
الثالث: أنه الطاعة، قاله ابن عباس.
الرابع: أنه المال بلسان قريش، قاله سعيد بن المسيب والزهري.
الخامس: أنه الماء إذا احتيج إليه ومنه الماء المعين وهو الجاري، قال الأعشى:
بأجود منا بماعونه ** إذا ما سماؤهم لم تغِم

السادس: أنه ما يتعاوره الناس بينهم، مثل الدلو والقدر والفاس، قاله ابن عباس، وقد روي مأثوراً.
السابع: أنه منع الحق، قاله عبد الله بن عمر.
الثامن: أنه المستغل من منافع الأموال، مأخوذ من المعنى وهو القليل، قاله الطبري وابن عيسى.
ويحتمل تاسعاً: أنه المعونة بما خف فعله وقل ثقله.